كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{فلا إثم عليه} وهذا يوم الثالث يسمى أيضا يوم الصدر ويسمى أيضا صرما يسمى النفر الأول قرما وقد اختلف في الكتب أسماؤها وترتيبها فلا إثم عليه لمن اتقى في كل ما تقدم من إتمام أفعال الحج واجتناب محظوراته عن ابن عباس وقال السدي لمن اتقى في بقية عمره لئلا يحبط عمله.
{ومن الناس من يعجبك} قوله في الأخنس بن شريق هادن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونافقه ثم خرج فأحرق لبعض المسلمين كدسا وعقر خمارا والألد الكثير الخصومة واللديدان صفحتا العنق كأن الألد يقلب القول صفحة إلى صفحة كما قال ثعلبة بن صغير المازني:
ولرب خصم جاهدين ذوي شذى ** تقذى صدورهم بهتر هاتر

لذ ظأرتهم على ما ساءهم ** وخسأت باطلهم بحق ظاهر

والخصام مصدر عند الخليل وعند الزجاج جمع خصم كبحر وبحار أخذته العزة بالإثم أي بسبب الإثم الذي في قلبه وقيل معناه أخذته العزة بأن يأثم يشري يبيع ومنه تسمية أهل حرور أنفسهم بالشراة كما قال أبو العيزار الخارجي يدنو وترفعه الرماح كأنه شلو تنشب في مخالب ضاري فثوى صريعا والسباع تنوشه إن الشراة قصيرة الأعمار.
{ادخلوا في السلم كافة} في طائفة أهل الكتاب أسلموا ولم يتركوا السبت وقيل في المنافقين أمروا أن يجعل باطنهم في الإسلام كظاهرهم وقيل بل هو أمر للمؤمنين بشرائع الإسلام جميعا وقال الحسن هو أمر للمسلمين بالدوام على الإسلام لأن الفاعل للواجب في الحال مأمور بمثله في الاستقبال فهو كقوله: {يأيها الذين آمنوا ءامنوا} ومن قال إن السلم بالفتح الصلح لا غير لم يمتنع على قوله أن يراد الإسلام بالصلح لأن الإسلام صلح والمسلمون يد واحدة في التناصر والتضافر.
{كافة} جميعا وكففت الشيء جمعته وكفة الميزان لجمعه ما فيه وكف الثوب طيه ويجوز أن يكون من الكف أي المنع لأنهم إذا اجتمعوا تمانعوا هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله المراد إتيان آيات الله فذكر الله لتفخيم شأن الآيات وقيل بل التقدير يأتيهم أمر الله فحذف المضاف كما هو في قوله أو يأتي أمر ربك يبين ذلك أن في الآيتين الإخبار عن حال القيامة فلما كان الأمر في أحدهما مذكورا كان في الأخرى مقدرا مفهومًا.
وقيل إن اللفظ وإن كان يثبت لإتيان فالفحوى بنفيه لان الحال على صورة من قدم إلى عبيدة بكل موعظة ورسول يستصلحهم بذلك ثم يقول إذا لم يصلحوا هل ينتظرون إلا أن آتيكم على تقرر امتناع إتيانه في نفوسهم زين للذين كفروا الحيوة الدنيا قيل إن الشيطان هو الذي زينها لهم وقيل بل الله يفعل ذلك لصح التكليف وليعظم الثواب على تركها مع شهوتها بغير حساب بغير استحقاق على جهة التفضل وقوله عطاء حسابا أي الذي يقابل العمل ويكافئه وقول قطرب بغير حساب عنده تعالى لسعة فضله وهو بحساب أعمالنا وكأنه يعطي المسحوب المعدود مالا يحسب ولا يعد كان الناس أمة الأمة هنا الملة قال النابغة حلفت فلم أترك لنفسك ريبة وهل يأتمن ذو أمة وهو طائع بحذف المضاف أي أهل ملة وتلك الملة الضلال عن ابن عباس والحسن فهو الغالب عليهم وإن كانت الأرض لم تخل عن حجة الله ويجوز أن يكونوا على الحق متفقين فاختلفوا بعد بغيا بينهم نصب على المفعول له أي وما اختلفوا إلا للبغي بإذنه أي فاهتدوا بإذنه أي بعلمه أم حسبتم أم يكون للابتداء والاستفهام إلا أنه خلع عنها هنا معنى الاستفهام كما خلع في الخبر من قولك مررت برجل أي رجل ولذلك أعربت أي ومثله واو العطف فإنها للعطف والجمع فإذا وضعت موضع مع خلص للجمع في نحو استوى الماء والخشبة وكذلك فاء العطف للعطف والاتباع وإذا استعملت في جواب الشرط انخلعت عن العطف وخلصت للاتباع وذلك قولك إن تقم فأنا أقوم.
{ولما يأتكم} أي ولم يأتكم كقوله: {وءاخرين منهم لما يلحقوا} وأصل لما لم إلا أن لما بانفرادها تصلح جوابا لمن يقول لك أقدم زيد فتقول لما ولا يجوز لم وزلزلوا ازعجوا بالخوف وهو في يوم الأحزاب وهو زلوا ضوعف لفظه لمضاعفة معناه كقولهم صر وصرصر قال الخليل: كأنهم توهموا في صوت الجندب استطالة فقالوا صر وفي صوت البازي تقطيعا فقالوا صرصر.
{حتى يقول الرسول} أي حتى يسأل النصر الموعود وليس المراد الاستبطاء للنصر لأن الرسول يعلم أن الله لا يؤخره عن وقت المصلحة وكذلك كل من هو في شدة وغمه فلا ينبغي أن يستبطئ الفرج يل يوقت بزوالها في الدنيا أو يموت عليها فيظفر بالعوض العظيم في الآخرة وذلك خير وأبقى ومن رفع يقول كان الكلام بمعنى استدامة حال الصبر إلى وقت النصر وتقديره حتى الرسول قائل كما قال يغشون حتى ما تهر كلابهم لا يسألون عن السواد المقبل بيض الوجوه أي حتى هم الآن كذلك.
{يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه} انخفاض قتال على البدل من الشهر بدل الاشتمال وهو الذي يكون الثاني فيه غير الأول في اللفظ وهو داخل أو مقدر فيه قال الأعشى هريرة ودعها وإن لا لائم غداة غد أن أنت للبين واجم لقد كان في حول ثواء ثويته تقضي لبانات ويسأم سائم ألا ترى أن الحول مشتمل على الثواء متناول وصد عن سبيل الله أي القتل في الشهر الحرام وعند المسجد الحرام يصد المسلمين عن الحج يسئلونك ماذا ينفقون قل العفو أي الفضل عند الحاجة وقيل السهل الميسر يقال خذ ما عفا أي سهل وصفا وقيل هو القصد الوسط وانتصاب العفو على أنه جواب المنصوب وهو ماذا وماذا اسم واحد لأنك تقول عماذا تسأل لا تحذف الألف من عما كما حذفت في عم يتساءلون لما لم يكن آخر الاسم فيكون ماذا ينفقون مثل ما ينفقون والجواب ينفقون العفو ومن يرفع العفو يجل ذا بمنزلة الذي ويجعلها اسمين كأن الفول ما الذي ينفقون لأعنتكم لشدد عليكم في مخالطتهم أو في جميع ما كلفكم فإن العبرة لعموم اللفظ.
كذلك فسر أبو عبيدة الإعنات بالإهلاك وأصل العنت الشدة والمشقة قال مسلمة بن عبد الملك إني إذا الأصواب في القوم علت في موظن يخشى به القوم العنت موطن نفسي على ما خيلت بالصبر حتى تنجلي عما انجلت حتى يطهرون ينقطع دمهن ويطهرن يتطهرن ويغتسلن فإدغمت.
{أنى شئتم} كيف شئتم وقيل من أين شئتم بعد أن لا يخرج عن موضع الحرث بدليل نساؤكم حرث لكم وقدموا لأنفسكم قيل إنه التسمية عند الجماع ولأولى اعتبار عموم اللفظ كأنه أمر عقيب ما أباح وحظر بتقديم الأعمال الصالحة والتوقي عرضة لأيمانكم علة وحجة في ترك البر والتقوى والإصلاح فتخلفوا لتدفعوا وتعتلوا بها.
فكأن اليمين سبب يعرض فيمنع من البر والتقوى أو سبب يوجب الإعراض عنهما وهو كما قال جرير ولا خبر في مستعجلات الملاوم ولا في صديق وصله غير دائم ولا خير في مال عليه ألية ولا في يمين غير ذات مخارم وقيل معناه لا تجعلوا اليمين بذلة كلامكم من غير حاجة ويغير استثناء مع أن العبد لا يملك أمره حتى يعزم على شيء في المستقبل أن تبروا.
معناه على هذا القول أن لا تبروا فحذفت لا لأنه في معنى القسم قال امرؤ القيس فقلت يمين الله أبرح قاعدا ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي فحذف أقسم فعل القسم وحرف القسم ولا النافية المقسم بها.
وموضع أن تبروا نصب عند سيبويه لوصول الفعل إليه مع تقدير الجار وخفض عند الخليل لأن التقدير لأن تبروا لا يؤاخذكم الله باللغو اللغو اليمين على الظن إذا تبين خلافه عن ابن عباس وأصحابه.
وعن عائشة ما يسبق به اللسان من غير قصد وعقد قلب كما قال الفرزدق ولست بمأخوذ بقول تقوله إذا لم تعمد عاقدات العزائم والأصل في اللغو مالا يعتد به كما قال.
ويلغي دونه المرئي لغوا كما ألغيت في الدية الحوارا إذ لا يعتد بالحوار في الدية ومنه لغو الطائر صوتها على غير استقامة وترجيع قال المازني أعمير ما يدريك أن رب فتية بيض الوجود ذوي ندى ومآثر باكرتهم بسباء جون ذراع قبل الصباح وقبل لغو الطائر.
يؤلون يحلفون إيلاء وألية وألوة وإلوة والإيلاء هنا قول الرجل لامرأته والله لا أقربك أربعة أشعر أو قال من غير توقيت أو حرمها على نفسه بنية هذا اليمين فإن فاء إليها بالجماع أي رجع قبل أربعة أشهر كفر عن اليمين وإلا بانت بتطليقة.
والتربص الانتظار وقيل التصبر كأنه فسر بمقلوبه ثلثة قروء.
القرء الحيض عن أكثر الصحابة والفقهاء وعن بعضهم الطهر وحكى الكسائي أقرأت المرأة حاضت فهي مقرى وأصل الكلمة إن كان الاجتماع بدليل القرآن والقرية للنمل وللناس وقرأ الماء في الحوص فالاجتماع في حالة الحيض إذ لو كان في الطهر لسال دفعة وإن كان الأصل الانتقال من قول العرب قرأت النجوم وأقرأت فكذلك لأن الحيض عارض منتقل إليه من الظهر الثابت ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن أي من الحيض والولد لئلا ينقطع رجعة الزوج وشيء من القرء باق ولئلا نلحق الولد بغيره كصنيع الجاهلية الطلاق مرتان أي الطلاق الرجعي.
وسأل رجل النبي عليه السلام عن الثالثة فقال أو تسريح بإحسان والطلاق الجاهلي أيضا كان ثلاثا كما سئل ابن عباس عنه فأنشد للأعشى أيا جارتي بيني فإنك طالقة كذاك أمور الناس غاد وطارقه وبيني فإن البين خير من العصا وإن لا تزال فوق رأسك بارقة وبيني حصان الفرج غير ذميمة وموموقة عندي كذاك ووامقة فذاك ثلاث تطليقات إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله قال أبو عبيدة يوقنا وقيل يظنا فبلغن أجلهن قارنه وشارفنه أو بلغن أجل الرجعة ولا تتخذوا ءايات الله هزوا أي لا تستهزءوا بهذه الآية المشتملة على أحكام النكاح والطلاق والرجعة والخلع مع كثرة فوعها وتفنن شعبها وقال الحسن كان الرجل يطلق ويعتق ثم يقول كنت هازلا هازئا فلا تعضلوهن العضل المنع والتضييق أعضل الأمر أعيا وعضلت المرأة وأعضلت عسرت ولادتها.
قال الصلتان العبدي:
هلا ليالي فوقه بزاته ** يغشى الأسنة فوق نهد قارح

في جحفل لجب ترى أمثاله ** منه تعضل بالفضاء الفاسح

{وعلى الوارث مثل ذلك} أي على وارث الولد من النفقة مثل ما على المولود له وهو الوالد إذا كان حيا وذلك الوارث كل ذي رحم محرم.
{فإن أرادا فصالا} أي فطاما عن الرضاع والتراضي لئلا يكون أحدهما للفطام كارها بما لا يعلمه الآخر والتشاور فلأنهما لو تراضيا من غير تفكر في حال الرضيع لجاز أن يكون الفطام ضارا به فالحمد له سبحانه يؤدب الكبير ولا يهمل الصغير وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم أي لأولادكم إذ الاسترضاع لا يكون إلا للولد وهذا إذا اشتغلت المرأة بحق الزوج عن الإرضاع أو ينقطع لبنها أو تطلق فتريد زوجا آخر والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن أخبر الزوجات دون الذين وبهم ابتدأ كما قال:
لعلي إن مالت بي الريح ميلة ** على ابن أبي ذبان أن يتندما

وتأنيث العشر لتغليب الليالي على الأيام فإن سني العرب هلالية وأحكام الشرع تدور على الأهلة عرضتم به من خطبة النساء وهو بكل كلام يدل على الرغبة فيها من غير إفصاح بنكاح والإكنان إضمار العزم على نكاحها.
ولا تواعدوهن سرا أي لا تساروهن بالنكاح وقيل لا تواعدوهن سرا أن لا يتزوجن غيركم وأكثر المعاهدة يكون سرا وقال ابن زيد لا تنكحوهن سرا حتى يبلغ الكتب أجله أي تنتهي العدة والكتاب ما كتب عليها من الحداد والقرار في المنزل لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن لأنه إذا مسها لا يطلقها في طهر المسيس وقيل لا جناح عليكم في النفقة والمهر سوى متعة على قدر المكنة وتخصيص المحسنين بالذكر لأنهم هم الذين يقبلونه ويعملون به وانتصاب متعا على المصدر متعوهن وحقا على الحال من قوله بالمعروف أو يعفوا الذين بيده عقدة النكاح هو الزوج لا غيره.
وعفوه إذا سلم منها كل الصداق أن لا يرتجع النصف بالطلاق وإن لم يسلم وفاه كاملا على وجه الصلة والإحسان كما روي أن الحسن بن على حمم امرأة عشرة آلاف أي متعها فانشدت متاع قليل من حبيب مفارق ولا يبلغ بالمتعة هذا المبلغ والصلوة الوسطى من حيث إن الخمسة المبهمة لا واسطة لها معينة كثر الاختلاف فيها فقيل إنها الفجر لأن الظهر والعصر قد يجمع بينهما وكذلك العشاء والمغرب والفجر حامية جانبها عن غيرها وقيل إنها الظهر لأنها وسط النهار وكانت تشق عليهم إقامتها في الهاجرة الحجازية التي تشوى كل شيء وقيل إنها المغرب لأنها وسط في الطول والقصر ووقت العجلة للانكفاء إلى المنازل فتشغل عن الصلاة قال رموت عليها الكسر من غير ريبة فلم أر إلا بذل تبن مترب فقلت بعيد منك تطلابك القرى وأجفلت عنها كالعجول المغرب.
وقيل إنها العصر لأنها بين صلاتي النهار والليل ولأنه وقت استعجال الأعمال لإدبار النهار كما قال الأخنس بن شهاب:
تظل بها زبد النعام كأنها ** إماء تزجي بالعشي حواطب

وقال علقمة بن عبدة:
فولى على آثارهن بحاصب ** وغيبة شؤبوب من الشد ملهب

فأدركهن ثانيا من عنانه ** يمر كمر الرائح المتحلب

وإنما أبهمت الصلاة الوسطى مع فضلها على غيرها ليحافظ ذو الرغبة في الثواب على الصلوات ولا ستند إلى واحدة ولهذا اخفيت ليلة القدر ولهذا لا يعلم الصغير بعينها المكفرة باجتناب الكبائر فلا يضر فعلها إذا علمت فالأولى أن لا يعلم لتجتنب الذنوب بأسرها فإن خفتم فرجالا أي صلوا على أرجلكم أو على ركابكم وقوفا ومشاة والرجال جمع راجل مثل التجار والصحاب وصية لأزواجهم نصب على المصدر أي فليوصوا وصية أو على المفعول به أي أوجب الله عليهم وصية ومن رفعها فعلى جهالة الفاعل أو حذف المبتدأ أي فرض عليكم وصية غير إخراج نصب على صفة المتاع فإن خرجن أي بعد الحول وقيل قبل الحول إذا سكن في بيوتهن فلا جناح عليكم في قطع نفقة السكنى والحكمان أعني الوصية للأزواج والعدة إلى الحول منسوخان.
وابن بحر يقول إنها نزلت في وصيتهم على عادة الجاهلية فبين الله أن وصيتهم لا تغير حكم الله في تربص أربعة أشهر وعشر فلذلك قال فإن خرجن فلا جناح عليكم أي خرجن قبل الحول وبعد الأربعة الأشهر والعشر وإنما دعاه إلى هذا القول زعمه أنه لا نسخ في شيء من القرآن فيضعفه رفعه للعطف على يقرض الله.
والنصب على جواب الاستفهام بالفاء إلا أن في الكلام معنى الجزاء لأن التقدير من يقرض الله فالله يضاعفه وجواب الجزاء بالفاء مرفوع يقبض ويبصط يقبض الرزق على بعض ليأتلفوا بالاختلاف وقيل يقبض الصدقات ويبسط الجزاء الملإ أكابر القوم وأشرافهم هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقتلوا قالوا ومالنا ألا نقتل أي المعني أن نقاتل إن ءاية ملكه أن يأتيكم التابوت إذ كانوا فقدوه فقال إنه كان صعد به إلى السماء فنزلت به الملائكة ويقال إن عدوهم أخذوه منهم فردته الملائكة فيه سكينة أي في إتيانه بعد الافتقاد كما قاله رسولهم وقيل كانت فيه صورة مباركة يتيمن بها في الحروب والخطوب.
{وبقية مما ترك آل موسى} قيل إنها الكتب وقيل إنها عصاه وعمامة هارون وإن الله مبتليكم بنهر ذلك ليعلم الله أن من يخالف الرسول بالشرب من النهر لا يواقف العدو ليجردوا العسكر عنهم والغرفة والغرفة واحدة كسدفة الليل وسدفته ولحمة الثوب ولحمته وقيل الفتح لمرة واحدة والضم اسم ما اغترف يظنون أنهم ملاقوا الله يحدثون أنفسهم وهو أصل الظن ولذلك صلح الظن للشك واليقين والفئة القطعة من القوم من فأوت رأسه قطعته.
وقيل من فاء أي رجع كأنهم يرجعون إلى منعة تلك الرسل فضلنا بعضهم بما استحقوه من ثواب في الآخرة وفي الدنيا بحسب مصالح العباد لا على الميل والمحاباة ولو شاء الله ما اقتتلوا قال الحسن هي مشيئة القدرة بالإلجاء وقيل هي مشيئة الصرفة والصرفة مسألة كلامية مفتنة.
{من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه} خص البيع لما في المبايعة من المعاوضة فيكون ذلك كالفذاء من العذاب كقوله: {وإن تعدل كل عدل} وقيل إن البيع كناية عن وجوه المكاسب كأنه أشار إلى أن المال لا ينفع ولو نفع لما أمكن القيوم القائم بتدبير خلقه العالم بتصاريف ملكه.
والوصفان يوجبان انتفاء النوم والسنة التي هي ترنيق النوم كما قال العاملي وكأنها بين النساء أعارها عينيه أحور من جاذر جاسم وسنان أقصده النعاس فرنقت في عينه سنة وليس بنائم.
{وسع كرسيه السموات} علمه عن ابن عباس وقيل قدرته ولذلك وصله بقوله ولا يؤده أي لا يثقله وقيل هو الهواء الذي هو عماد السموات والأرض لأن الكرسي في اللغة العماد وقيل إن الكرسي جسم عظيم يحيط بالسموات السبع إحاطة السماء بالأرض وهو العرش.
وعند بعضهم العرش أعظم منه كما أن الكرسي أعظم من السموات الطغوت الشيطان وكل ما ورد من إنس وجان وهو فعلوت من الطغيان وقيل بل فلعوت على هذا الوجه وهو أن لام طغيوت قلبت إلى موضع العين فصارت طيغوت فانقلبت ألفا لحركتها وانفتاح ما قبلها فصار وزنها الآن بعد القلب فلعوت.
والعروة الوثقى الإيمان بالله على وجه المثل والمجاز كأنه شبه علقة الدين وإن كانت لا تحس بالمحسوسة الوثيقة الثابتة فعبر عن المعني بما يعبر به عن الشخص قال الفرزدق عمدت إليك خير الناس حيا لتنعش أو يكون بك اعتصامي وحبل الله حبلك من ينله فما لعري يديه من انفصام وقال جرير:
فما لمت البناة ولم يلوموا ** ذيادي حين جدبنا الزحام

إذا مدوا بحبلهم مددنا ** بحبل ما لعروته انفصام

{أن ءاتاه الله الملك} أي بموفور الحال وجموم المال وجموع الرجل لا بتمليك الأمر بدليل قوله لا ينال عهدي الظالمين ولأن الاستصلاح بالفاسد محال فإن الله يأتي بالشمس من المشرق ليس بانتقال عن الحجة الأولى ولكن لما رأي عناد نمر وذحجة الأحياء وتمويهه يتخليه واحد وقتل آخر كلمة من وجه لم يمكنه معاندته وذلك أنهم كانوا أصحاب تنجيم وتعظيم للكواكب وحركة الشمس وجميع الكواكب من المغرب إلى المشرق معلومة.
إلا أنها في الكواكب الثابتة الأبعاد قليلة المقدار وفي السيارة كثيرة ظاهرة وفي القمر من جهة سرعته أبين فإنه من عند إهلاله في الأفق الغربي يزداد كل ليلة من الشمس بعدًا إلا أن يستقبلها ليلة انتصاف الشهر فظهر أنه يسير من المغرب إلى المشرق فكانت هذه حركة الكواكب الذاتية الطبيعية.
ثم إن الله بعظيم قدرته وعميم رحمته كيلا يكون النهار سرمدًا ولمصالح أخر محركها بحركة أخرى قسرية قهرية من المشرق إلى المغرب كتحريرك السفينة مثلا ركابها إلى جهة جريان الماء وهم متحركون فيها إلى خلاف جهته وهذه الحركة هي التي ترى الشمس وكل كوكب طالعا ومرتفعا رويدًا ثم غاب وإلى مطلعه الأول إنما دكيما وذلك عند تمام كل يوم وليلة وإذا كان هذا مقررا لمن حاج إبراهيم كان وجه الحجة أن ربي يحرك الشمس قسرًا على غير حركتها فأن كنت ربا فحركتها بحركتها لأن تقرير الشيء على طبعه أهون من نقله إلى ضده فعند ذلك بهت الذي كفر أي دهش وتحير أو كالذي مر على قرية قيل لا يجوز أن يكون ذلك المار نبيا لأن قوله: {أنى يحي هذه الله} كلام شاك مستبعد ولأن الآية على التعجب من قوله كالآية الأولى ولأن قوله فلما تبين وقوله أعلم يدلان على شكه في الحال وقيل يجوز أن يكون نبيا وإنما قال ذلك قبل الوحي أو على الطريق التبين بالمشاهدة كقول إبراهيم أرني كيف تحيي الموتي ولأن الإعادة فيه وفي الحمار من المعجزات ولأن في سياقة الآية: {ولنجعلك ءاية} خاوية خربة خالية خوى المنزل خرب وخوى النجم سقط.
{على عروشها} أبنيتها وسقوفها لم يتسنه إن قلت سانيته مساناة فالهاء للوقف وإذا وصلت قلت لم يتسن وإن كان من سانهت مسانهة قالهاء لام الفعل ويؤكد ذلك سنيهة في تصغير سنة وقول حتان:
وليست بسنهاء ولا رجبية

ومعنى {لم يتسنه} لم يتغير باختلاف السنين أو لم تعمل فيه السنة التي يراد بها الجدب لا الحول كما قال ولقد أخذنا ءال فوعون بالسنين ومنه يقال أسنتوا إذا أجدبوا ننشزها نرفع بعضها إلى بعض، والنشز المكان المرتفع ونشوز المرأة ترفعها وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتي سبب ذلك أنه أرى جيفة مزقتها السباع واستهلكت أشلاؤها الرياح فأحب معاينة إحيائها ليقوى علمه اليقيني بالحس والمشاهدة فتكون على هذا ألف أولم تؤمن للتقرير وإن كانت صورتها للاستفهام أي قد آمنت فلم تسأل فقال ليطمئن قلبي باجتماع المشاهدة مع العلم قال كثير في التقرير بلفظ الاستفهام.
أليس أبي بالنضر أم ليس والدي لكل نجيب من خزاعة أزهرا فصرهن إليك صرت يقع على إمالة الشيء وعلى قطعه صاره يصيره ويصوره إذا أماله والأصور المائل العنق ومن القطع الصورة النخلة الفردة المنقطعة عن أخواتها.
والصوار القطيع من البقر وصراه قطعه فيكون صاره مقلوبة ويجوز من الأصلين الصورة لأنها تميل النفوس إليها ولأنها على تقطيع وتقدير وكذلك الصوار قطعة من المسك فهو من القطع ومن حيث إنها تميل حاسة الشم إليها ولو أن ركبًا يمموك لقادهم نسيمك حتى يستدل بك الركب فهو من الأصل الثاني ومنه يقال المسد كأنه لطيب رائحته يمسك الحاسة عليه فمن فسر قوله فصرهن بأملهن كان في الكلام حذف كأن المعني فأملهن إليك وقطعهن بدليل قوله ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا لأن التجزئة بعد التقطيع.
{قول معروف} أي رد حسن قال بشامة بن عقير المري ألا يكن ورق يوما يجاد به للخابطين فإني لين العود لا يعدم السائلون الخير من خلقي إما نوالي وإما حسن مردود.
{ومغفرة} ستر الفقر على السائل وقيل هي التجافي عما يبدر من السائل عند رده فمثله كمثل صفوان وهو الحجر الأمثل أي صفته صفة صفوان أكلها بتخفيف الكاف وتثقيلها طعامها وإنما جاء أيود أحدكم أن تكون بلفظ المضارع وأصابه الكبر عطفا عليه بالماضي لأن معني أيود هنا التمني والتمني يصح في الماضي والمستقبل وعلى أنه يجوز إطلاق الاسم على المعني وإن لم يحدث وقال جرير لما تذكرت بالديرين أرقني صوت الدجاج وقرع بالنواقيس المعني انتظار أصواتها لاستطالة الليل فأوقع عليه الاسم ولما يكن إعصار أعاصير الرياح وزوابعها كأنها تلتف بالنار التفاف الثوب المعصور بالماء ولا تيمموا الخبيث لا تقصدوا رذال المال وحشف التمر في الزكاة إلا أن تغمضوا فيه بوكس ونقصان في الثمن.
وقيل إلا أن تأتوا غامضا من الأمر لتطلبوا بذلك التأول على أخذه فأغمض على هذا أتى غامضا كأعمن أتى عمان وأعرق أتي العراق فنعما هي أي نعم ما هي على تقدير الفاعل ونصف ما على التفسير أي نعم الشيء شيئًا هي وفيه أربع لغات مفردة نعما ونعما ونعما ونعما للفقراء أي الصدفة للفقراء فيكون الفقراء نصبا على المفعول له.
{أحصروا} احتبسوا الكسائي أحصروا بالمرض والجراحات المثخنة في الجهاد عن الضرب في الأرض لأنه لو كان من العدو لكان حصروا لا يسئلون الناس إلحافًا لا يكون منهم سؤال فيكون منهم إلحاف إذ لو سألوا لم يحسبهم الجاهل بهم أغنياء وهذا كما قال ودوية لا يهتدى لمنارها إذا لوح الصبح أشجاد دليلها تراه مرمى بالضحى فإذا دجا له الليل لم يشكل عليه سبيلها أي ليس ثم منار يهتدى بها يتخبطه الشيطان يضربه ويصرعه من المس من الجنون وهذا الصرع وإن كان بانسداد بطون الدماغ من الرطوبات الفجة سدا غير كامل ولكن إضافته إلى الشيطان على مجاز إضافة الإغواء الذي يلقى المرء في مصارع وخيمة فأذنوا فاعلموا وآذنوا أعلموا آذنتك بالشيء فأذنت به تأذن إذنًا أي إنكم أذن حرب الله ورسوله.
{إذا تداينتم بدين} ذكر الدين بعد التداين للتقرير والتوكيد وليملك الذي عليه الحق أي على إقراره ولا يبخس ليشهد عليه أو لا يستطيع أن يمل هو أي لخرس أو صبي أو عته أن تضل أن تنسى وقيل لئلا تضل ثم ابتدأ فتذكر إحداهما الأخرى أي تجعلها كذكر من الرجال إلا أن تكون تجارة أي تقع وتحدث وقيل إن تجارة اسم كان وتديرونها خبرها فرهن أي الوثيقة رهان.
{وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} أي ما تضمروه من معصية وتعزموا عليه من مفسدة وقال مجاهد من الشلك واليقين ولا يقال إنها نسخت بقوله لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لأن النسخ بيان مدة المصلحة في الشرائع لا في الأخبار والمواعيد ولأن تكليف ما ليس في الوسع لم يكن قط حتى ينسخ.
وما روي أن الصحابة رضي الله عنهم عز عليهم نزولا وقالوا إنا لنحدث أنفسنا بمالا يمكننا أن ندرأه عنا فقد كلفنا ما لا نطيق فنزلت لا يكلف الله فحديث صحيح إلا أنها نزلت على إزالة التوهم لا على نسخ الخبر المتقدم ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا الخطأ والنسيان مرفوعان عن الإنسان فيكون نسينا بمعني تركنا وأخطأنا بمعني خطئنا يقال خطئ خطأ إذا تعمد الإثم وأخطأ إذا لم يتعمد قال الله عز وجل: {لا يأكله إلا الخاطئون} وقال: {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به} فقوله: {أوأخطأنا} على وجهين إما لأنه لما جاء خطئنا في موضع أخطأنا جاء أخطأنا في موضع خطئنا أو يكون أخطأنا أتينا بخطئة كقولك أبدعت إذا أتيت ببدعة قال النجاشي في أمير المؤمنين على رضي الله عنه فمرنا بما تهوى نجبك إلى الرضي بصم العوالي والصفيح المعتد فإن نأت ما تهوى فذاك نريده به نخط ما تهوى فغير تعمد وقيل على ظاهره على طريق التعبد والتضرع عند المسألة وإن كنا نعلم أن الله لا يؤاخذنا بالخطأ والنسيان كما جاء في الدعاء رب احكم بالحق وكقوله: {ربنا وءاتنا ما وعدتنا على رسلك} {ولا تحمل علينا إصرا} الإصر هنا الثقل العظيم من كلفة أمر أو وبال نهي وسمي في الأصل العهد إصرا وكذلك الرحم لأن القيام بحقهما ثقيل عظيم وبالله التوفيق ومنه العصمة تمت سورة البقرة. اهـ.